جريج رجل صالح من بني إسرائيل، قيل: إنه ان يشتغل بالتجارة، وأنه كان ينقص مرة ويزيد أخرى، أي: يربح ويخسر، فقال في نفسه: ليس في هذه التجارة خير؛ لألتمسن تجارة هي خير من هذه، فبنى صومعة وترهب فيها، فجاء ذكر قصته على لسان رسولنا صلى الله عليه وسلم، وقصة جريج رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما، وكذلك رواها الإمام أحمد في مسنده. ورواية الإمام مسلم رحمه الله تعالى، يرويها أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كان جريج رجلًا عابدًا، فاتخذ صومعة_ أيْ بناءً مرتفعًا محدد الأعلى كالمنارة التي يؤذن فيها _ فكان فيها، فأتته أمه وهو يصلي، فقالت: يا جريج في العادة كانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها لكن هذه المرة كان يصلي! فقال في نفسه: أي رب! أمي وصلاتي! فأقبل على صلاته، فانصرفت أمه، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي، فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ، أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فلما كان من الغد أتته وهو يصلي فقالت: يا جريج! فقال: أي ربِّ! أمي وصلاتي، فأقبل على صلاته، فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات. فتذاكر بنو إسرائيل جريجًا وعبادته، وكانت امرأة بغي يُتَمَثَّل بحسنها، فقالت: إن شئتم لأفْتِنَنَّه، فتعرضت له، فلم يلتفت إليها، فأتت راعياً كان يأوي إلى صومعته فأمكنته من نفسها، فوقع عليها فحملت. فلما ولدت سألوها ممن الولد؟ قالت: هو من جريج، فأتوه فاستنزلوه وهدموا صومعته، وجعلوا يضربونه، وفي رواية: فجعلوا يضربونه ويقولون: مُراءٍ، تخادع الناس بعملك، فقال: ما شأنكم؟ قالوا: زنيتَ بهذه البغي، فولدت منك، قال: أين الصبي؟ فجاءوا به، فقال: دعوني حتى أصلي، فصلى فلما انصرف أتى الصبيَّ فطعن بأصبعه في بطنه لكي ينتبه الغلام وقال: يا غلام! من أبوك؟ قال: فلان الراعي، فأقبلوا على جريج يقبِّلونه ويتمسحون به وقالوا: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا.أعيدوها من طين كما كانت، ففعلوا). وفي رواية: فضحك، فقالوا له: بالله مِمَّ ضحكت؟ فقال: أصابتني دعوة دعتها أمي. ونورد من الفوائد في قصة جريج ما يلي: إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع إذا نادته أمه، فالواحد منا إذا نادته أمه أو ناداه أبوه، وهو يصلي صلاة نافلة، فإن كان يعلم أن أمه ستغضب إذا لم يجبها فإنه يقطع الصلاة ويجيبها، وإذا علم أنها تتحمل لو أتمها خفيفة، أتم النافلة خفيفة وأجاب أمه وأباه، وإذا كانت صلاةَ فريضة خَفَّفَ الفريضة، وقَصَّر القراءة والركوع والسجود ثم سلم وأجاب أمه أو أباه. ينبغي على الابن أن يقدر شعور الأم، ولا يقول في نفسه: وماذا يفيدها النظر إلى وجهي؟! وماذا يفيدها الكلام معي؟! نقول: هذا قلب أم والأم تشتاق إلى ولدها، وتحن إليه، وهي متعلقة به، ورؤيته عندها تساوي الدنيا وما فيها، وحديثها إلى ولدها جد مهم بالنسبة لها، لذا ينبغي على الإنسان أن يقدر شعور أمه. لا ينبغي للأم أن تدعو على ولدها بشر: لأن دعاء الأم مستجاب، ولو دعت عليه بشر ربما وقع ذلك فتتأسف وتقول: ليتني لم أدعُ عليه، وإنما ينبغي أن يكون الدعاء للولد بالهداية والصلاح. لهذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة الوالد لولده ودعوة الوالد على ولده كلاهما مستجاب). أن النظر إلى وجوه المومسات عقوبة من الله عز وجل لذا دعت أم جريج على ابنها :اللهم لاتُمته حتى تُرَيه وجوه المومسات. أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن: فنلاحظ أن جريجاً لما كان متفرغًا للعبادة مقبلًا على الله كان صاحب قلب قوي، وإيمان سوي، لذلك ما ضرته المرأة لما تعرضت له، والإنسان لو كان إيمانه ضعيفًا، فدعته امرأة وهي ذات جمال ربما يضعف ويقع، لكن عندما يكون الإنسان صاحب دين وصاحب عبادة، ليس فقط لا يقع، وإنما لا يلتفت أصلاً، ولذلك جاء في القصة أن جريجًا رحمه الله تعالى لم يلتفت إليها. الفزع إلى الصلاة عند حدوث المكروه: فإن جريجًا لما ضربوه وسبوه وشتموه واتهموه بأنه هو الذي زنى بالمرأة قال: (دعوني أصلي) فصلى حتى تقوى صلته بالله، ويكون الدعاء أحرى بالإجابة، فدعا الله فاستجاب الله له. العوام دائمًا ما تحركهم الشائعات، فعوام بني إسرائيل هم الذين عايشوا جريجا وعلموه وخبروا حاله، كما أنهم هم الذين عايشوا هذه المرأة البغي وعلموها وخبروا حالها، ومع ذلك لم يتثبتوا حينما ادعت هذه البغي على جريج الذي لا يعلمون عنه إلا كل خير، وصدقوها هي وهي التي لا يعلمون عنها إلا كل شر، فالعوام غالبًا ما تحركهم الشائعات. لا ينبغي لصاحب الدعوة أن ينساق وراء العوام في شعورهم ومشاعرهم، فحينما هدموا الصومعة لجريج قاموا فقالوا نبنيها لك من ذهب، لكن الرجل كان عاقلا فقال: بل من طين كما كانت. أن الله يجعل لأوليائه أصفيائه دومًا عند الابتلاء مخارج:- ضاقت فلما استحكمت حلقاتها فُرِجت وكنت أظنها لا تُفْرَجُ ولرُبَّ نازلة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرجُ . . عناوين ترويجية : قصة جريج العابد.. كأنك تسمعها لأول مرة (روعة) قصة جريج العابد.. من أروع القصص التي فيها العبر قصة جريج العابد.. من أجمل القصص التي رواها رسول الله ﷺ